«الحكم بعد المداولة» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

الكاتبة أميرة عبد العظيم
الكاتبة أميرة عبد العظيم

غداً تعقد الجلسة وتكون المحاكمة وتقول العدالة كلمتها في قضية طال انتظارها، توفى جدي تاركاً وراءه ثروة طائلة، لكن يشاء القدر أن نُحرَم منها بسبب عمى الكبير، ذلك النّهاب الذي مات ضميره وقبل أن يُدفن جدي، سولت له نفسه تزوير كافة العقود والمستندات التي تثبت حق أبى وإخوته في هذا الميراث الكبير.

 

النفس الأمارة بالسوء أمرته بالخيانة أستطاع بكل جرأة أن يدخل على جدي وهو على فراش الموت ويقبض على يديه وروحه معلقه بين يدي الله ويضع إصبعه في الختامية ويختم به على كل العقود بما يثبت بأن جدي قد باع له كل ما يملك منتهكاً لكل حرمات الموت وكل معاني الإنسانية.

 أتذكر ذلك اليوم جيداً كل الأحداث تمر أمامي، وقتها كان عمري يقترب من السابعة عشرة

أمام هذا التدليس وهذه الخيانة، صمت الجميع ولم يستطع أحد مواجهته ولا مجابهة هذا الظلم وهذه الوحشية، ولكن أبى أسرها في نفسه وابيضت عيناه من الحزن.

 

في هذه اللحظة قررت أن ألتحق بكلية الحقوق، وقد بنيت كل أمالي في أن أعمل جاهداً ليعود الحق لأصحابه من يد هذا الظالم.

فعلاً حصلت على ليسانس الحقوق منذ عامين من وقتها وأنا أنبش وراء الحقيقة وأبحث عن دليل قوى وقاطع لإثبات بطلان هذه العقود التي يحتفظ بها عمي، ولأن الحق لا يضيع طالما ورائه مُطالب، يظهر دليل لا يمكن توقعه، ذلك الرجل الذي دخل مع عمى الغرفة وساعده في تزوير الأوراق هو نفسه الشاهد الوحيد وهو نفسه من اعترف بذلك في صحوة ضمير صحبته حين أصيب بمرض خطير، وكان على فراش الموت، أرسل لأبى وذهبت معه وقمت بتسجيل جميع اعترافاته صوت وصورة.

أراح ضميره قبل أن يلحق بجدي.. صحوة ضمير وروح تفيض إلى خالقها.

 

أتى الصباح وأتى معه اليوم الذي لطالما انتظرته على مدار عشر سنوات اليوم المشهود لاسترداد الحقوق، أول ظهور رسمي لي في المحكمة لأترافع في قضية المصير، تلك القضية التي التحقت بكلية الحقوق من أجلها ليعود لكل ذي حق حقه المنهوب.

 

 إما الأرض والعرض وإما أن لا يكون لى الحق في العيش

أتى الصباح....

 وها أنا أصعد الدرج الداخلي لمبنى المحكمة لدخول القاعة التي ستعقد فيها الجلسة الخاصة بقضيتنا،  دخل الحضور والشهود والمحامين والمتهمين وممثلي الإدعاء والحاجب، انتظم الحضور هدأت القاعة، دخل القاضي، بدأت الجلسة.

الحاجب ينادى على رقم القضية وأسماء أطراف القضية.

 

ممثل الإدعاء يبدأ بذكر التهم ورأي النيابة العامة بها،

الحاجب ينادى القضية رقم ( ١)

 جاء دوري  بالمرافعة

سيدي القاضي أمثل أمامكم في هذه القضية ليس كمحامى فقط وإنما صاحب حق مغتصب

أقاضى هذا الرجل الهرم الذي يقف أمامكم يتوارى خلف القضبان الحديدية وعيناه تكتظ شراراً جُلّها شر وانتقام، هذا النّهاب الذي يمثل أمامكم استولى على أرضنا وأرض أبى وأجدادي هدم حياتنا ..

هذا الرجل لم يكتف بالاستيلاء على أرضنا وأموالنا بل قام بالحرق والضرب والنهب والدمار.

سيدي القاضي بين أيديكم ونصب أعينكم كل ما يثبت ما أقول والدليل القاطع صوت وصورة والله على ما أقول شهيد.

القاضي:

الحكم بعد المداولة، رفعت الجلسة .